فصل الصيف دروس وعبر

عدنان بن عبد الله القطان

22 ذو القعدة 1442هـ – 2 يوليو 2021م

———————————————————————–

 

الحمد لله الذي حكمَ وقدَّر، وبشَّر وأنذَر، أقامَ هذا الكونَ على الميزان والعدل، وامتنَّ على من شاءَ من عبادِه بالفضل، نحمدُه  سبحانه  حمداً يليقُ بحكمته البالِغة وقُدرته الباهِرة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسِع كلَّ شيءٍ رحمةً وعلماً، وأحاطَ بكل شيءٍ قُدرةً وحُكماً، ونشهدُ أن نبينا محمداً عبدُه ورسولُه الميزانُ الأكبر، والسِّراجُ الأزهر، صلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن في اختلاف الليل والنهار، وتقلب الدهور والأزمان، وتبدّل الحرارة والبرودة، لآيات على عظمة الله جل وعلا، فهو سبحانه الذي يقلّب الأيام والشهور، والفصول والأعوام، يقول تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) ويقول سبحانه: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ، وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً، وبتعاقب الأفلاك وسيرها، تتعاقب فصول السنة على الناس، فهذا فصل للصيف، وذاك فصل للشتاء، وذاك للخريف، وذا للربيع، ومن حكمة الله تعالى ونعمته، أن خصَّ كل موسم بما يناسبه من الزروع والثمار واللباس فيه، ونوَّع فيه الأعمال؛ لدفع السآمة والملل عن الإنسان، والمؤمن الحق من وقف مع هذه النِّعَم والحِكَم وتدبَّرها حقَّ التدبُّر وشكر الله عز وجل لأجلها قولاً وعملاً. وها نحن عباد الله، قد دخلنا في فصل من فصول العام، ألا وهو فصل الصيف، حيث الحر الشديد والشمس الحارقة إلا أن المؤمن لا يمر عليه زمان دون تفكر وتذكر واعتبار.

يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) يذكرنا تعاقب الليل والنهار، واختلاف الفصول والمواسم، بأن الحياةَ مراحل، وأَن كُلَّ مرحلة لها قيمتُها ومكانتُها، ولكل منها تَبِعةٌ مطلوبةٌ، وحسابٌ قائمٌ، قال الحسنُ البصري رحمه الله (ما من يوم ينشق فجره، وتشرق شمسه، إلا ينادي منادٍ يا ابن آدمَ أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيدٌ، فتزود مني بعملٍ صالحٍ، فإني لا أعودُ إلى يوم القيامة) إنّ في هذا الحر دليلاً من دلائل ربوبية الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يقلّب الأيام والشهور، ويطوي الأعوام والدهور، وهو الواحد الأحد الصمد، المستحق للعبادة، سبحانه وبحمده! فوجوده سبحانه وربوبيتُه وقدرتُه، أظهرُ من كل شيء على الإطلاق.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (ثم تأمل هذه الحكمة البالغة في الحرّ والبرد وقيام الحيوان والنبات عليهما، وفكِّر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته، ولو دخل عليه مفاجأة، لأضرّ ذلك بالأبدان والنبات وأهلكها، ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك) أنتهى.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن الوقفات المهمة في مثل هذه الأجواء: أن نعلم أن الحرّ ابتلاء من الله تعالى لعباده، وابن آدم ملول، قد وصفه ربه بأنه ظلوم جهول، ومن جهله عدم الرضا عن حاله، فإذا جاء الصيف تضجَّر منه، وإذا جاء الشتاء تضجَّر منه، وفي ذلك يقول الناظم:

يَتمنَّى المَرءُ فِي الصَّيف الشِّتاء

                                    فإذَا جَاءَ الشِّتاءُ أَنكرهُ

فهو لَا يَرضَى بحَالٍ وَاحِدٍ

                                     قُتلَ الإنسَانُ مَا أَكْفَرهُ

وهذا من طبع البشر؛ ولكن المسلم يرضى بما قدر الله له من خير أو شر، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ) ولن يعدم المؤمن أحد هذين الخيرين، بشرط الرضا والشكر والصبر، ومَن حُرِمَ الصبر على ما قدر الله فهو المحروم.

وإن من الوقفات المهمة في مثل هذه الأجواء: أن يتذكر الإنسان ضعفه ومسكنته، وأنه بأمس الحاجة إلى ربه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) فعليه أن يحسن في عبادة ربه، وأن يكثر من دعائه، والتضرع إليه.

أيها المؤمنون: ومن الوقفات المهمة في مثل هذه الأجواء الحارة:أن يتذكَّر المؤمِن شِدَّةَ حرِّ النّار غيرِ المتَناهي أبَدَ الآبدين، فيُقبِل حينئذٍ بكلِّيتِه على العزيز الغفَّار، ويَفِرّ من سَخَط الجبَّار، وإذا كان الإنسان يفر من حرارة الشمس إلى الظل، ويهرب من الأجواء الحارة إلى الأجواء الباردة، حفاظاً على اعتدال المزاج، وطلباً للصحة، فأولى ثم أولى أن يفر من نار حامية، وأن يقي نفسه وأهله منها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ورغم ما نجد من شدة الحر في دنيانا، علينا أن نتذكر أن نار جهنم والعياذ بالله هي أشد حراً، قال تعالى: (وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَراً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) فقد بين الله تعالى لنا في هذه الآية كيف كان المنافقون في غزوة تبوك يثبطون بعضهم بعضاً عن الخروج للجهاد، ويقول بعضهم لبعض: (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ)، فقال الله لنبيه محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قل لهم يا محمد: أن نار جهنم أشد حرًّاً من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا للجهاد فيه.. عِبادَ الله: يقول أهل العلم: دارُ الآخرة إمّا دار نعيمٍ مَحضٍ لا يشوبه ألم، وهذا للموحِّدين الطائعين، وإمّا دار عذابٍ مَحضٍ لا يشوبه رَاحةٌ، وهذا للمشركين، وأما هذه الدار الفانِية فممزوجة بالنعيم والألم، فما فيها مِن النعيم يذكِّر بنعيمِ الجنّة، وما فيها من الألم يذكِّر بألم النار.

 عباد الله: وإنَّ ممّا يُذكّر بالنّار المعَدَّة لمن أشرك بالله جلّ وعلا وكفَر وجحد، ولمن عصَى رُسُلَه وتجبَّر، ما جَعَله الله في هذه الدّارِ من شدّةِ الحرّ وشِدّة البرد، فحرُّ الدنيا يذكِّر بحَرِّ جهنَّمَ وسمومها، وبردُها يذكِّر بزَمهَرِيرِها، قال تعالى في صِفَة الجنّة: (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) فنفى عنهم شِدّةَ الحرّ والبردِ، قال قتادة رحمه الله: (عَلِم الله أنّ شدَّةَ الحر تؤذي، وشدّة البرد تؤذي، فوقاه أذاهما جميعاً). ويذكِّرُنا صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقةِ فيقول كما جَاءَ في الصحيحَين: (اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدوا بالصلاةِ -أي: صلاةِ الظهر- فإنَّ شدّةَ الحرِّ من فَيح جهنّم). وقد كان سلفنا الصالح يعتبرون بأحوال الدنيا من شدة الحر أو شدة البرد أو حصول الغم والكرب، فيتذكرون ما يقع في الآخرة مما هو أشد مما مر بهم، فيدفعهم ذلك لمزيد الإيمان والعمل الصالح...

فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (أَكثِروا ذِكرَ النّار؛ فإنَّ حَرَّها شَديد، وإنَّ قعرَها بَعيد، وإنَّ مَقامِعَها حَديد)، وكان بَعضُ السَّلف رحمه الله إذا رجَع من الجُمُعة في حرِّ الظهيرةِ يذكر انصرافَ الناسِ مِن موقف الحسابِ إلى الجنّة أو النار، فإنَّ السَّاعةَ تقوم يومَ الجمُعة، ولا يَنتَصِف ذلك النهار حتى يَقيل أهلُ الجنّة في الجنّة، وأهلُ النّار في النار، ثم تلا: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) ورأى عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوماً في جنازة قد هربوا من حَر الشمس إلى الظل، وتوقَّوا الغبار، فأبكاه هذا المنظر، وحال الإنسان يألف النعيم والبهجة، حتى إذا وُسِّد قبره فارقهما إلى التراب والوحشة، فأنشد قائلا:

مَنْ كانَ حِينَ تُصيبُ الشمسُ جبهتَه

                               أو الغبارُ يخافُ الشَّيْـنَ والشَعَثـا

ويألفُ الظـــلَّ كي تبقَى بشاشتُه

                                 فسوفَ يسكنُ يومـاً راغماً جَدَثًاً

في ظـِـــلِّ مُقْفِرَةٍ غبراءَ مُظْلِمَةٍ

                                يُطيلُ تحت الثَّرى في غمها اللُّبُثَـا

تجهَّـزِي بجَهَــازٍ تبلُغيـن بــه

                              يا نفسُ قبْلَ الرَّدَى لم تُخْلَقِي عَبَثَـا

أيها المسلمون: ومِن مَواقفِ العِبرِ في زَمنِ الحرِّ تذكُّر حرِّ الشَّمس وكربها في الموقِفِ العظيم يوم القيامة، والذي يزيد من هذا الكرب شِدَّةً الوقوف والانتظار تحتَ لهيب الشمس التي اقتربت من رؤوس الخلائق قدر ميل حتى يغرق الناس في عَرَقِهم، كما صح ذلك في الحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قِيدَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ، فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ-أي خاصرتيه-، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَاماً، وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ، صلى الله عليه وسلم) قال ابن رجبٍ رحمه الله: (وينبغي لمن كان في حرِّ الشمس أن يتذكَّر حرَّها في الموقِف؛ فإن الشمسَ تدنُو من رُؤوسِ العبادِ يوم القيامة، ويُزادُ في حرِّها، وينبغي لمن لا يصبِرُ على حرِّ الشمس في الدنيا أن يجتنِبَ من الأعمال ما يستوجِبُ صاحبُه به دخولَ النار؛ فإنه لا قوةَ لأحدٍ عليها ولا صبر). وإذا كان علينا أن نبذل الغاليَ والنفيس لكي نقي أنفسنا من شدَّة حَرِّ الشمسِ في هذه الدنيا فما أحرانا أنْ نُضَاعِفَ الجهد لكي ننأى بأنفسنا عمَّا هو أشدّ وأخطر.

عباد الله: ومن الوقفات المهمة في مثل هذه الأجواء: أن يفكر الإنسان في إخوانه المسلمين المنكوبين الذين يبقون مدداً من الزمن في العراء، تصهرهم حرارة الشمس، وتحرقهم حرارة الرمضاء، بلا ظل ولا مأوى، قد شردوا من أوطانهم، وأخرجوا من ديارهم، وأنهكتهم الحروب، ومسهم الجوع في أقطار من العالم. إن لهم علينا حق المواساة بالكسوة والطعام والدعاء.

وهذا يوجب علينا أيضاً: أن نشكر الله جل وعلا الذي أطعم من جوع، وآمن من خوف، ويؤكد علينا شكر القلب واللسان والجوارح، فعندنا ولله الحمد من الأجهزة والوسائل ما ندفع به حرارة الجو، وشدة الصيف، عوازل حرارية، وأجهزة كهربائية، ونعم متعددة، وأشربة مبردة: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) نسأل الله أن يجيرنا من النار، وأن يظلنا تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه سميع الدعاء.. نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

  

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يمن على من يشاء من عباده بالهداية والتوفيق، نحمده ونشكره على توفيقه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: وإذا كان الناسُ يسألون عن أفضل العوازل الحرارية لاتقاء الحر وأفضل المكيفات لبيوتهم فسأخبركم عن أفضل العوازل الحرارية عن حر شمس يوم القيامة، سأذكر لكم بعض الأعمال الموجبة للاستظلال تحت ظل العرش لعلنا نسارع إليها بعد أن أدركنا وآمَنَّا بأهميتها يوم القيامة.

الأول: أنظار وإمهال المعسر حتى يسدِّدَ دَيْنه، أو التخفيف من الدين عنه؛ من أَنْظَرَ مدينه المعسر، الذي لا يستطيع السداد، أو أسقط الدين من ذمته، أظله الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن أَنْظَرَ مُعْسِراً أووَضَعَ عنه، أَظَلَّهُ الله يوم الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ، يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ) فيا أيها الأخوة والأخوات في الله: من كان له دين على أخيه المعسر، فليسامحه لوجه الله تعالى، أو ليؤخره حتى يوسر فيسد الدين، طمعاً في أن يكون من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

الثاني: حفْظ سورتي البقرة وآل عمران؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يوم الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ، الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ (تظللانه) تُحَاجَّانِ عن صَاحِبِهِمَا) فاحرصوا على تدبر هاتين السورتين والعمل بهما وحفظهما، بدلاً من حفظ ما لا يفيد ولاينفع ولا يزيد القلب إلا ضعفاً ووهناً وبؤساً وشقاء… الثالث: أن يكون المسلم والمسلمة من السبعة الذين يظلهم الله تعالى تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، يقول صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاه) وهذا الحديث يشمل الرجل والمرأة، وذكرُ الرجل هنا على سبيل التغليب، كما يقول أهل اللغة العربية.

عباد الله: لئن كنا نتقي الحرَّ بأجهزة التكييف والماء البارد، وكل هذه نعمٌ تستوجب الشكر، فهل تأملنا وتفكرنا كيف نتقي حرَّ جهنم؟ كيف ندفع لفحها وسمومها عن أجسادنا الضعيفة، ووجوهنا المنعمة؟ فهناك أعمال تساعد على الوقاية من حر النار منها: الإكثار من الاستعاذة بالله من عذاب النار ومن حرها، فنبيكم صلى الله عليه وسلم، كان يكثر من الاستعاذة من النار ويدعو بأن يقيه الله منها، فكان أكثر دعائه، اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرةِ حَسنَةً، وَقِنَا عَذابَ النَّار) وإن الدعاء بسؤال الجنة والاستعاذة من النار، هو من الأدعية التي يسن قولها بعد التشهد في الصلاة وقبل التسليم، ومَن سأل اللهَ الجنةَ ثلاث مرات دعت له الجنة بأن يدخله إياها، وأن من استجار بالله من النار ثلاث مرات، دعت له النار بأن يجيره منها، كما صح بذلك الحديث.

كما أن من العبادات العظيمة في الأيام شديدة الحرارة الصيام، فالأجر على قدر المشقة، والمشقة تكون كبيرة لمن صام يوماً شديداً حره، يقول :مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًاً)

اللهم يا سامع الصوت، ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت! نسألك أن تجعلنا من أهل الجنة (الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)  وأن تعتق رقابنا من النار، اللهم اعتق رقابنا، ورقاب آبائنا، وأمهاتنا، وأزواجنا، وأولادنا وذرياتنا، وأقاربنا، وذوي أرحامنا، ومن له حق علينا، ومن أحبنا فيك، ومن أحببناه فيك، اللهم اعتق رقابنا جميعاً من النار..رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً..

اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الجَنَّة وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ  وَنعُوذُ بِكَ مَنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.  اللَّهُمَّ أَظِلَّنِا تحت ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّكَ يارب العالمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين..

اللهم ارفع عنا البلاء والوباء وعاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، أنت أهل التقوى والمغفرة.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأهله، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا،  برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

 (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

    خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين